منتدى شباب 25 يناير التعليمية
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

الاسلام والرعاية البدنية

اذهب الى الأسفل

الاسلام والرعاية البدنية  Empty الاسلام والرعاية البدنية

مُساهمة  ابوصبرى السبت أبريل 30, 2011 5:55 pm

الاسلام والرعاية البدنية

1 ـ أهمية الجسم

الجسم هو مستودع الطاقة البشرية، ومصدر القدرة الحركية التي تساهم في مجال الخير والبناء وإعمار الارض وإصلاحها.

فما من عمل يؤدّيه الاِنسان ـ سواء أكان تعبّدياً أم إصلاحياً وعمرانيّاً ـ إلاّ ويحتاج الى قوة بدنيّة لممارسته، فالمصلّي والصائم والحاج والمجاهد والكاسب والمفكّر والتاجر والعامل والمُزارع والعالم وطالب العلم...إلخ، كلّهم يحتاجون إلى طاقة بدنية يصرفونها من أجل القيام بواجبهم وأداء دورهم، لأنّ الطاقة البدنية هي الأداة والوسيلة التي يحقّق بها الانسان غاياته وأهدافه.

والجسم هو مستودع هذه الطاقة ومصدر الحركة، بما يملك من أجهزة وأدوات مختلفة، كاليد والرجل والعين والأذن واللسان...إلخ.

فالله سبحانه وهب الجسم للانسان ليحقّق به أهدافه وغاياته في الحياة، وهو نعمة من نعم الله وخلق من خلقه، وُهب للانسان ليستخدمه في تنفيذ مقرّرات حياته وفق منهج الله الذي يحدّد تعامله مع الحياة، ويوضّح أُسلوب عيشه فيها، فقد خلق الجسم الانساني بشكل يتناسب مع الظروف والأوضاع الطبيعية المحيطة به.

قال تعالى:
(لَقَدْ خَلَقْنا الانسانَ في أَحْسَنِ تقْويم). (التين/4)
ويتلاءَم مع المسؤوليات البشرية الملقاة عليه، لذا كانت رعايته والحفاظ على صحته واجباً إنسانياً مقدّساً حثّ عليه القرآن الكريم وأكّد عليه بقوله:

(وَابْتغِ فيما آتاكَ اللهُ الدّارَ الآخرةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنيا). (القصص/77)

مِنْ أجل الحفاظ على نظامه الطبيعي واستمرار توازنه، الذي هو عبارة عن انتظام قوانين الطبيعة في كيان الجسم، وتوازنها مع ما حولها مِن قوانين الوجود الطبيعية.
وهذا الجسم هو آية في الابداع والتكوين والنشاط، يساهم التأمّل في نظامه والتفكّر في غرائب تكوينه، وبدائع صنعه، بفتح آفاق المعرفة، والتوجه إلى الله سبحانه وكشف أسرار الوجود، فيزداد الانسان إيماناً ومتعة في الحياة.

قال تعالى:
(فَلْيَنْظُرِ الانْسَانُ مِمَّ خُلِق). (الطارق/5)
(قُلْ هُوَ الَّذي أنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ والاَبْصارَ وَالأفْئِدَةَ قَليلاً مَا تَشْكُرونَ).(الملك/23)
[ 2 ]
(سَنُريهم آياتنا في الآفاق وَفي أنْفُسِهِمْ حَتّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ على كُلِّ شَيءٍ شَهيد). (فصّلت/53)



ابوصبرى
عضو فعال
عضو فعال

المساهمات : 199
تاريخ التسجيل : 26/04/2011

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الاسلام والرعاية البدنية  Empty رد: الاسلام والرعاية البدنية

مُساهمة  ابوصبرى السبت أبريل 30, 2011 5:56 pm

2 ـ كيف تعامل الاسلام مع الجسد

قال سبحانه وتعالى:
(قالَ لَهُ صاحِبُهُ وَهُوَ يُحاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذي خَلَقَكَ مِنْ تُراب ثُمَّ مِنْ نُطْفَة ثُمَّ سَوّاكَ رَجُلاً). (الكهف/37)
(هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الأرضِ وَاسْتعْمَرَكُمْ فيها). (هود/61)

(وَجَعَلَ فيها رَواسِيَ مِنْ فَوْقِها وبارَكَ فِيها وَقَدَّرَ فِيها أقواتها في أَرْبَعةِ أيّامٍ سواءً للسائلينَ). (فصلت/10)
(هُوَ الّذي جَعَلَ لَكُمُ الارضَ ذَلُولاً فَامْشُوا في مَناكِبِها وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وإليهِ النُّشُورُ). (الملك/15)

(يا أيُّها النْاسُ كُلُوا مِمّا في الأرضِ حَلالاً طَيِّباً). (البقرة/168)

(كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُروا لَهُ). (سبأ/15)

(كُلوا من طيباتِ ما رزقناكُم ولا تطغَوا فيه فيحلَّ عليكُم غَضبي).(طه/81)

(يا بَني آدَمَ خُذوا زينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِد وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إنَّهُ لا يُحبُّ المُسْرِفينَ). (الاعراف/31)
(قُلْ مَنْ حَرَّمَ زينَةَ الله الَّتي أَخْرَجَ لعِبادهِ وَالطَيّباتِ مِنَ الرّزْقِ قُلْ هيَ للّذينَ آمَنوا في الحياةِ الدُّنيا خالِصةً يَوْمَ القيامةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ).(الأعراف/32)

(وَلَقَدْ أرْسَلْنا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنا لَهُمْ أَزْواجاً وَذُرّيةً).(الرعد/38)

(وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنوا إليْها).(الروم/21)

(يا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباساً يُواري سَوْآتِكُمْ).(الاعراف/26)

(وَمِنْ اياتِهِ مَنامُكُمْ بِاللَّيْلِ والنَّهارِ وابْتِغاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ).(الروم/23)

تلك مجموعة قرآنية رائعة تحمل بين طيّاتها معانٍ تشريعية ومفهومية كثيرة، تتجلى لنا بوضوح متى حاولنا ربط معانيها وتوحيد مفاهيمها، واستنتاج أهدافها التشريعية والفكرية التي تقودنا إلى الحقائق التالية:
[ 4 ]
أ ـ إنّ الانسان بتكوينه الجسماني وبطبيعته البدنية، جزء من عالم الطبيعة، وإنّ الارض هي مصدر نشوئه وتكوينه، وهو ابن الارض، ونتاجها الحي المترقي في تكوينه وأجهزته الجسمية المختلفة.
قال تعالى: (أَكَفَرْتَ بِالَّذي خَلَقَكَ مِنْ تُراب). (الكهف/37)
(هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الأرضِ). (هود/61)

ب ـ إنّ هذا الجسد الذي نشأ من الارض لا يستغني بطبيعته عن إمداد الأرض لوجوده، من الطعام والشراب واللباس والسكن..إلخ:
(وَما جَعَلْناهُمْ جَسَداً لا يَأْكُلُونَ الطَّعامَ).(الأنبياء/Cool

ج ـ إنّ التوافق في التكوين الطبيعي بين الانسان والطبيعة تام ومتناسق، فكل ما يحتاج الانسان لاستمرار الحياة متوفّر في عالم الطبيعة ومتنامٍ فيها:
(وَبارَك فيها(1) وقَدَّرَ فيها أَقْواتَها في أَرْبَعَةِ أيّام سَواءً للسّائِلينَ).(فصلت/10)
(جَعَلَ لَكُمُ الأرضَ ذَلُولاً). (الملك/15)
ففي رحاب الأرض تكمن أقوات المخلوقات عموماً، والانسانية بصورة خاصة، مهيّأة وممهّدة لكلّ إنسان:
(سَواءً لِلسائلينَ).(فصلت/10)
وبقدر ما يوفّر له حاجته الطبيعية في الحياة:
(وَقَدَّر فِيها أَقْواتَها).(فصلت/10)
فهنا في نظام الخلق والتكوين، تتساوى معادلة الوجود بين الحاجة الانسانية، وبين المتوفّر منها في الطبيعة ولا يطرأ أيّ اختلال في التوازن أو الضبط:
(إنّا كُلَّ شَيء خَلَقْناهُ بِقَدَر).(القمر/49)

د ـ كلّ ما في الأرض من خيرات وطيّبات، حلال طيّب ومباح لبني الانسان كافة، دون تفريق أو تمييز، فحكمة الله وعدله تقضيان بأن تتوفّر لكل إنسان حاجته وحقّه المقرّر له في الحياة:
(يا أيّها النّاسْ كُلُوا ممّا في الأرضِ حَلالاً طَيّباً).(القبرة/168)

هـ ـ إنّ الانسان الفرد خُلق وحدة حياتية متكاملة الأجهزة والامكانيات، وهو عالم حياتي قائم بذاته، يمارس علاقاته الطبيعية على أساس هذه الحقيقة التكوينية بينه وبين الطبيعة في كلّ شيء، لذا كان عليه أن يمارس نشاطه الذاتي ويواصل مساعيه:
(فَامْشوا في مَناكِبها).(الملك/15)
ــــــــــــــــــــــ
ـ بارك فيها: بارك في الأرض.
[ 5 ]
ويتحرّك في أرجاء هذه الأرض متفاعلاً مع الطبيعة وطاقاتها وخيراتها ليشيّد جسر العبور بين جسمه وبين خيرات الأرض وأرزاقها، فتأخذ هذه العناصر الطبيعية مكانها في كيانه لتؤدي دورها بصورة طاقة بشرية، بعد أن تدخل في عمليّات تكييف حياتي، لتعود ثانية على شكل عطاء إنساني، وجهد بشري يختلف في درجة وجوده الطبيعية عن الصيغة الحُرّة في الطبيعة، فيظهر هذا العطاء الانساني على شكل تفكير، أو عبادة، أو فن، أو أعمال مختلفة أُخرى، كالاعمار، وإصلاح الحياة، أو تكاثر النوع...الخ.
وهكذا يتفاعل الانسان بطبيعته الجسدية مع الطبيعة، ليحيل طاقاتها المادية الساكنة إلى قوة إنسانية تفيض بالخير والحياة، وتملأ ربوع الأرض بالقيم وأسباب المدنيّة والحضارة.
و ـ وكما أنّ للانسان حاجات بنائية لإدامة الحياة، فإنّ له حاجات أُخرى تساهم في حفظ الحياة وإدامتها، كالعلاقة الزوجية واللباس والراحة والنوم..الخ، يعتبر توفيرها من ضرورات تكامل نظام الحياة، لذا جعل الله سبحانه إشباعها جزءاً من نظام التكوين البشري.
وجاء الاسلام كشريعة، يحرص على حفظ الحياة، ويتجاوب مع حاجات التكوين، فاستوعب بشريعته كل تلك الحاجات الانسانية الطبيعية وقام بتنظيمها:
(وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتسْكُنُوا إليْها).(الروم/21)
(يا بَني آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباساً يُواري سَوْآتِكُمْ).(الأعراف/26)
(وَمِنْ آياتهِ مَنامُكُمْ بِاللَّيْل وَالنَّهارِ).(الروم/23)



ابوصبرى
عضو فعال
عضو فعال

المساهمات : 199
تاريخ التسجيل : 26/04/2011

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الاسلام والرعاية البدنية  Empty رد: الاسلام والرعاية البدنية

مُساهمة  ابوصبرى السبت أبريل 30, 2011 6:03 pm

وهكذا استوعب الاسلام كل مستلزمات الانسان الجسدية، وشرّع من القوانين والأحكام، وقرَّر من القيم ما فيه الكفاية لاستيعابها، وجعل تشريعاته ومفاهيمه هذه تدور على ثلاثة محاور يكمّل الواحد منها دور الآخر، وتتركّز في:

1 ـ مد الجسم بحاجاته المادية المختلفة، من الطعام والشراب والسكن واللباس.
2 ـ الحفاظ علـى الجسم البشري وحمايته من كل ما يعرّض وجوده للخطر.
3 ـ توظيف قدرات الجسم في مجالها الطبيعي المحدّد لها.

ونتناولها فيما يلي بالبحث:

أوّلا: مد الجسم بحاجاته المختلفة:

أ ـ الطّعام والشراب:

(فَلْيَنْظُرِ الانسانُ إلى طَعامهِ).(عبس/24)
من عظيم آيات الله وبديع صنعه وعنايته بالانسان، أنْ جعل غذاءه الطبيعي المتوفّر في الأرض متكوناً من عنصرين اثنين:
[ 6 ]
1 ـ عنصر المادة الطبيعية التي تسد الحاجة، كالأملاح والفيتامينات والكاربوهيدرات..الخ، بشكل مساوٍ لحاجة الحيوان والنبات أحياناً باعتبارها أجساماً حيّة.

2 ـ وعنصر آخر أضافته العناية الالهية إلى الغذاء الانساني، بشكل يتلاءم مع الجانب النفسي والعقلي عند الانسان، وهو الجانب الجمالي وجانب اللّذة والاستمتاع، فجعل اللّذة والشكل الجمالي الجذّاب، هو المشجّع والعامل المساعد للانسان على الارتباط النفسي بالطعام والشراب والسعي نحوها. إضافة إلى إحساسه بألم الجوع والعطش، فالفواكه والخضروات واللحوم والعسل والسُّكر والجوز والماء...إلخ، كلّها تتشكّل ضمن إطار جمالي جذّاب ، وتحمل ذوقاً لذيذاً مغرياً يملأ تلك العناصر الطبيعية، ويقدّمها للانسان ضمن هذا الجو الجماليّ المُسر، والاحساس المُشبَّع باللذة والاستمتاع.

وقد تواردت نصوص وأحاديث كثيرة تقرّر حق الانسان بالطعام والشراب، والاستفادة من الطّيبات والملذّات، فقد روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنّه كان يمتدح اللحم والزيت ويقول:
(اللّحم سيّد الطعام في الدُّنيا والآخرة)(1).
ويقول (صلى الله عليه وآله):
(كُلوا الزيت، وادهنوا بالزيت، فإنّه من شجرة مباركة)(2).
وقوله (صلى الله عليه وآله):
(اللّهم بارك لنا في الخبز ولا تفرّق بيننا وبينه، فلولا الخبز ما صمنا ولا صلّينا، ولا أدّينا فرائض ربّنا عزّ وجلّ)(3).
وروي عن الامام الباقر (عليه السلام) قوله:
(إنّ الله عز ّوجلّ خلق ابن آدم أجوف، ولابدّ له من الطعام والشراب)(4).
وورد عن الامام جعفر الصادق (عليه السلام) قوله:
(إنّما بُني الجسد على الخبز)(5).
وكان الامام الصادق (عليه السلام) يحثّ على أكل العسل والسمن واللبن والبقل والفواكه المختلفة، فيقول:
(ما استشفى الناس بمثل العسل)(6).
وروي عنه (عليه السلام):

(السمن ما دخل جوفاً مثله، وإنّني لأكرهه للشيخ)(1).

وعنه أيضاً:
(عليك باللّبن فإنّهُ ينبت اللّحم، ويشدُّ العظم)(2).

وعنه أيضا:
(أكل الباقلاء يمخخ الساقين، ويزيد في الدماغ، ويولّد الدّم الطّري)(3).

وروي عنه أنّه سئل عن معنى قوله تعالى:
(فَلْيَنْظُرْ أَيُّها أَزْكى طَعاماً فَلْيأتِكُمْ بِرزْقٍ مْنهُ).(الكهف/19)

قال:
(أزكى طعاماً التمر)(4).

وروي عنه (عليه السلام):
(الزبيب يشدّ العصب، ويذهب بالنصب، ويُطيّب النفس)(5).

وروي عنه (عليه السلام): (كلوا الكمثرى فإنه يجلو القلب، ويسكّن أوجاعَ الجوف بإذن الله تعالى)(6).
وروي عن الامام الرضا (عليه السلام)، قال:
(التين يذهب بالبخر، ويشدّ الفم والعظم، ويُنبتُ الشعر، ويُذهب بالداء، ولا يحتاج معه إلى دواء)(7).

هذا وفي كتب الحديث من الأخبار والروايات، ما خصّص له العلماء أبواباً خاصة في مجال الأطعمة والأغذية ومنافعها، وكيفية استعمالها، والحثّ على الاستفادة منها حفظاً للصحة وعناية بالجسم

ابوصبرى
عضو فعال
عضو فعال

المساهمات : 199
تاريخ التسجيل : 26/04/2011

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الاسلام والرعاية البدنية  Empty رد: الاسلام والرعاية البدنية

مُساهمة  ابوصبرى السبت أبريل 30, 2011 6:04 pm

وقد قاوم الاسلام محاربة الجسد، والحرمان من الطعام والشراب واللذائذ المحلّلة، تلك المحاربة التي دعا لها المترهّبون والمتصوّفة وأمثالهم ممّن يعتقدون ان محاربة الجسد، وتعذيبه بالجوع والعطش والحرمان، يؤديان إلى تقوية الروح وتنمية الملكات النفسية والأخلاقية.

فقد استنكر القرآن على هؤلاء المنحرفين موقفهم هذا من المتع الجسدية، والطيّبات التي أنعم الله بها على عباده فقال:

(قُلْ مَنْ حرَّمَ زينةَ الله الَّتي أخْرجَ لِعِباده والطيِّبات مِنَ الرّزْقِ).(الأعراف/32)

ب ـ الزّواج:
راعى الاسلام كل جانب من جوانب الحياة بطريقة موضوعية واقعية، فأعطى الجسد حقّه والحياة حقّها.
ومن تلك الموضوعات الجسدية والحياتية التي أولاها الاسلام اهتماماً خاصاً، هو موضوع الزواج والعلاقـة الجنسية لحفظ النـوع البشري، ولتوفير الاستقرار والسعادة النفسية، والاستمتاع الجسدي عند الانسان:

قال تعالى:
(وَمنْ آياتِهِ أَنْ خلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إليْها وَجَعَلَ بَيْنكُمْ موَدَّةً وَرَحمَةً). (الروم/21)

(فَما اسْتَمْتعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ).(النساء/24)

فبالعلاقة الزوجية تكتمل فكرة الحياة، ويتوحّد شقّا النظام الجسدي الانساني، ويتم إملء الفراغ النفسي، والشعور بالوحدة، فيكتمل بهذا اللقاء الزوجي والوحدة الجنسية نفسياً وجسدياً.

وقد حبّب الاسلام الزواج وحثّ عليه، واعتنى بالمُتعة الجنسية، لتوفير الراحة النفسية والشعور بالاستقرار والسعادة، وحماية الجسد من الحرمان والتوتّر الذي كثيراً ما يتطّور إلى حالات مَرَضيّة تنعكس على النفس والجسد. وفي ذلك قال الله تعالى:

(وَمِنْ آياتِهِ أنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسكُنُوا إليْها وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمةً). (الروم/21)

ففكرة العلاقة الزوجية في الاسلام ـ باعتبارها النفسي ـ مرتبطة بجانب إملء الفراغ النفسي وتوفير حالة من الاستقرار والوّد والتعاطف لاشباع هذا الجانب والتجاوب معه.
ولا يخفى ما لهذا الاحساس الانساني ـ إحساس الودّ والحبّ والاستقرار ـ من أثر على سير الحياة البشرية، وانتظام العلاقات والسلوك الانساني في ميدان الحياة الاجتماعية، والحفاظ على سلامة الصحة الجسدية والنفسية، وأهمية تتناسب مع دوافعها وأهدافها، فقد ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنّه قال:
[ 9 ]
(ما اُحبُّ من دنياكُم إلاّ النّساء والطيب)(1).

وروي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قوله:
(إنّ خير نسائكم الولود، الودود، العفيفة، العزيزة في أهلها، الذليلة مع بعلها، المتبرّجة مع زوجها، الحصان على غيره، التي تسمع قوله، وتطيع أمره، وإذا خلا بها بذلت له ما يريد منها، ولم تبذّل كتبذّل الرجل)(2).

وروي عن الامام علي (عليه السلام) قوله:
(تزوّجوا فإنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: من أحبّ أنْ يتّبع سنّتي فإن من سنّتي التزويج)(3).

وروي عن الامام الصادق (عليه السلام):
(ما أظنُّ رجلاً يزداد في الاِيمان خيراً إلاّ ازداد حبّاً للنساء)(4).

وعنه (عليه السلام) أيضاً:
(من أخلاق الأنبياء (عليهم السلام) حبُّ النساء)(5).

وعنه (عليه السلام) أيضاً:
(ما تلّذذ النّاسُ في الدنيا والآخرة بلذّة أكثر لهم من لذّة النّساء، وهو قول الله عزّ وجلّ: (زُيّن للنَّاس حُبُّ الشَّهَواتِ مِنَ النِّساءِ والبَنينَ...))(6).(آل عمران/14)

ج ـ الملبس والأناقة:

يؤدّي اللباس بالنسبة للانسان دورين مهمّين في الحياة، فهو من جهة يكمّل نظام الجسم الطبيعي، لأنّ للجسم درجة وجود خاصة به، بالنسبة لما حوله من ظروف طبيعية، من حرارة وبرودة ورطوبة وتبخّر...إلخ.
فاللباس هو الاحتياط الواقي الذي يحافظ على استقامة الجسم، وحماية التعادل بينـه وبين ظروف الطبيعة المحيطة بـه، لذلك فالانسان يلجأ إلى اللباس فيغطّي جسده ليحفظه من تلك المؤثرات الطبيعية، والعوامل المؤثّرة عليه.
ــــــــــــــــــــــ
وبالاضافة إلى هذه المهمة الصحيّة والجسمية للّباس، فإنّ له مهمة أُخرى وهي مهمة الزينة والجمال، وستر عورة البدن، وقبح العري الذي يظهر به الانسان، وقد اهتمّ الاسلام باللباس واعتنى بحسن المظهر، وبالحفاظ على الأناقة والجمال عناية فائقة. ولم يهمل القرآن الحكيم هذا الجانب من مستلزمات الحياة، وضرورات الجسد وأشواق النفس إلى الزينة والجمال، بل أكّد على إقرارها والاعتراف للانسان بحق ممارستها، وعدّ تلك المتع نعمة من نعم الله تعالى، فقال:

(يا بَني آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباساً يُواري سَوْآتِكُمْ). (الأعراف/26)

(قُلْ مَنْ حَرَّمَ زينَةَ اللهِ الَّتي أخْرَجَ لِعباده). (الأعراف/32)

(وَالأنْعامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيها دِفْءٌ وَمَنافِعُ وَمِنْها تَأْكُلونَ* وَلَكُمْ فِيها جَمَالٌ حِينَ تُريحُونَ وَحين تَسْرَحُونَ).(النحل/5 ـ 6)

(وَهُوَ الَّذي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتأْكُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَريّاً وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حلْيَةً تَلْبَسُونها). (النحل/14)

وهكذا أوضح القرآن رأي الدين في الزينة والجمال، وربط بين المتع الجمالية وبين مفاهيم العقيدة والايمان، ليؤكّد أنّ ما يتمتّع به الانسان من مظاهر الزينة والجمال إن هو إلاّ نعمة من نعم الله سبحانه، توحي للنفس بالرضى والسرور، وتبعث فيها الحب والمتعة والاشراق، عن طريق الشعور العميق الصافي، والتقويم المتعالي للمعاني والقيم الجمالية داخل إطار الذات البشرية، وعلى أساس من وعيها لهذه القيم والموضوعات، ولا غرابة في موقف القرآن هذا، فإحساس الانسان بالجمال واندفاعه نحوه، شعور فطري ينبع من إحساس النفس، وتوجهها الفطري نحو الكمال، ومن بحثها عن الاحساس بالرضى والسرور.

ووعي المسلم لموضوعات الجمال وقيمها لا يقف متحجّراً عند حدّ الاحساس المادي والغرض الانفعالي العابر، بل يتعدّى كل ذلك ليوقظ في النفس جذوة الاشراق الروحي، والاحساس الوجداني الذي يسحب النفس من ركودها المادي وإحساسها البهيمي المتواضع، إلى عالمها العلوي وتوجهها الأخلاقي، فيكون هذا الاحساس وسيلة من وسائل النمو الروحي والتكامل النفسي والأخلاقي، وجعل الاستمتاع بطيّبات الحياة سبيلاً إلى ربط الانسان بخالقه. فالانسان قادر على أن يعي كل تلك الحقائق حينما يعيش إحساساً يقظاً بالقيم والموضوعات الجمالية، من لباس وأناقة وحسن مظهر، وحينما ينعكس هذا الاحساس على ذاته الباطنة، فتتفاعل معه وتندمج، لتكون صورة حيّة للحس والذوق الجميل، فيرتد هذا الحس سلوكاً ومواقف إنسانية تترفّع عن الممارسات والمواقف الشريرة الشوهاء التي تمسخ روح الجمال، وتكرّس صورة القبح والنفور.
وقد وردت أحاديث ومواقف كثيرة، تتحدّث عن اهتمام الاسلام باللباس والزينة وحسن المظهر، نذكر منها ما يلي:

روي عن الرسول (صلى الله عليه وآله) قوله:
[ 11 ]
(قال لي حبيبي جبرائيل (عليه السلام): تطيّب يوماً، ويوماً لا، ويوم الجمعة لابدّ منه ولا تترك له)(1).

وعن رسول الله (صلى الله عليه وآله) من اتّخذ شعراً فليحسن ولايته أو ليجزه...)(2).

وقد روى الامام الصادق(عليه السلام)، عن الامام علي(عليه السلام):
(إنّ الله جميل يحبّ الجمال، ويحب انْ يرى أثر النعمة على عبده)(3).

وقد قال الامام الصادق (عليه السلام) لاحد أصحابه:
(إظهار النعمة أحبُّ إلى الله من صيانتها، فإيّاك أنْ تتزيّن إلاّ في أحسن زي قومك)(4).

وروى أحد أصحاب الامام الصادق (عليه السلام) قال: كنت حاضراً عنده، إذ قال له رجل:
(أصلحك الله ذكرتَ أنّ علي بن أبي طالب (عليه السلام) كان يلبس الخشن، يلبس القميص بأربعة دراهم وما أشبه ذلك، ونرى عليك اللباس الجيّد؟ قال: فقال له: «إنّ علي بن أبي طالب (عليه السلام) كان يلبس ذلك في زمان لا ينكر، ولو لبس مثل ذلك اليوم لشهّر به، فخير لباس كل زمان لباس أهله، غير أنّ قائمنا إذا قام لبس لباس علي (عليه السلام) وسار بسيرته»)(5).

وروى أحد أصحاب الامام الصادق (عليه السلام) قال:
(سألت أبا عبد الله ـ يعني الامام جعفراً الصادق(ع) ـ عن الرجل يكون له وفرة(6) أيفرقها أو يدعها؟ فقال: يفرقها)(7).

وروي عن الامام علي بن موسى الرضا (عليه السلام) انّه قال:
(الطِّيبُ من أخلاق الأنبياء)(Cool.

وبضمّنا الآيات القرآنية الواردة بهذا الشأن إلى بعضها، ودمج مفاهيم الأحاديث الأنفة الذكر معها ـ بالاضافة الى عشرات الأحاديث الأخرى التي تتحدّث عن رأي الاسلام بهذا الجانب الانساني ـ نستنتج أنّ الاسلام يحثّ الانسان المسلم والمجتمع المسلم على الزينة والجمال، ليستشعر أفراده شفافية الوجود، وروح الجمال التكويني، والابداع الالهي الذي ملك عليهم قلوبهم، ويشدّها
ــــــــــــــــــــــ

ابوصبرى
عضو فعال
عضو فعال

المساهمات : 199
تاريخ التسجيل : 26/04/2011

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الاسلام والرعاية البدنية  Empty رد: الاسلام والرعاية البدنية

مُساهمة  ابوصبرى السبت أبريل 30, 2011 6:06 pm

متّجهة نحو الحقيقة الجمالية الكبـرى القائمة في الصفات الالهية المقدّسة فتغمرهم السعادة والحب الالهي، ويزداد تذكرهـم لنعم الله وشكرهم له.

ويكفي في احترام الاسلام لفكرة الجمال، أنْ جعله جزاءً ومشوّقاً للانسان في عالم الفردوس والنعيم.

فالقرآن ماتحدّث بشيء من نعيم الاخرة إلاّ وأفاض عليه إشراقة الجمال، ولا تعرّض لجزاء المحسنين إلاّ وحبَّبه بجاذبية الحسن والمتعة الجمالية، ممّا يؤكّد أنّ الجمال في نظر القرآن أرقى موضوعات الوجود في عالم الانسان إلى درجة تؤهّل الجمـال أن يكون جزاء المحسنين من النبيين والشهداء والصدّيقين في عالم الفردوس.

د ـ الراحة والنوم:
وهذا الجسد: هو تلك الآلة الحركية التي تبذل جهداً وطاقة لمقاومة العالم المحيط بها حين الحركة وإنجاز الاعمال، فهي تصرف كثيراً من طاقاتها وقوتها الذاتية، فتشعر بالتعب بسبب اختلال معادلة التوازن بين قوى الجسم الذاتية، وبين القوى الطبيعية التي يتعامل معها، وشعور الجسم هذا بالتعب يأتي من جرّاء البذل المتواصل للطاقة والجهد، ومن الاستهلاك الجسدي لهذه الطاقة ممّا يُضعف المقاومة، ويضطر الجسم إلى السكون والتوقف في مكان آمن مريح، ليعيد بناء نفسه من جديد، ويدفع عن ذاته مردودات الحركة وآثارها المرهقة، فيأوي إلى النوم.

والنوم ليس اختراعاً بشرياً، ولا مصادفة جسدية فرضت نفسها على الانسان، بل هو جزء من نظام الوجود المتقن الذي دبّره الصانع الحكيم:

(صُنْعَ اللهِ الذي أَتْقَنَ كُلّ شَيءٍ إنَّهُ خبيرٌ بِما تَفْعَلُونَ).(النمل/88)

ولو لم يكن النوم جزءاً من نظام الجسم، لكان هناك نقص وقصور في نظام التكوين، والتنظيم الجسدي عند الانسان.

لذا فإنّ الله بعلمه وحكمته جعل النوم راحةً للانسان وسكناً له:
(وَمِنْ آياتِهِ مَنامُكُمْ بِاللَّيْلِ والنَّهارِ).(الروم/23)

فالنوم آية من آيات الله يتهيّأ لها الجسم بعد كل فترة زمنية، ليمارس الانسان عملية غياب مؤقت عن الاحساس بمردودات العالم الخارجي التي ترهق الجسم وتتعبه، لاعطائه فرصة الاستراحة والبناء، واستعادة القوة التي افتقدها.

وقد حثّ القرآن الكريم، والأحاديث الشريفة على الراحة والنوم والاستكانة في الليل، والقيلولة أثناء النهار، لتتمّ للانسان الراحة والسعادة في الحياة ولينقذ الانسان نفسه من الجشع والشراهة في جمع المال والسعي والجهد المرهق الذي يذهب بصحته وراحته، ويعرّضه لكثير من الأمراض العصبية والنفسية والجسدية، فتضيع سعادته ومتعته في الحياة.

[ 13 ]
لذلك حدّد القرآن الكريم للانسان نظام الراحة والنوم، ليأخذ حاجته ونصيبه الضروري منها، فقال تعالى:
(وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِباساً والنَوْمَ سُباتاً).(الفرقان/47)

وهذا النوم، الحاجة الضرورية للجسم، حذّر الاسلام من الاسراف فيها أو اللجوء إليها إلاّ بقدر ما يحتاج الانسان منها، لئلا يتجاوز الانسان حدّ الحاجة والاستراحة، فيستولي عليه الكسل والخمول، لأنّ الانسان في نظر الاسلام كتلة من النشاط والانتاج، وشحنة من عطاء الخير والابداع، لا يجوز تعطيلها ولا العبث بها، لذا كَرِهَ الاسلام الخمول والفراغ وضياع الوقت والطاقة الانسانية بالنوم والكسل. فقد ورد عن الامام الصادق (عليه السلام):
(كثرة النوم مذهبة للدين والدنيا)(1).

وورد عن الامام علي بن موسى الرضا (عليه السلام) قوله:
(إنّ الله عز ّوجلّ يبغض العبد النّوام الفارغ)(2).

هـ ـ الرياضة البدنية:
الرياضة هي تعويد الجسم وتدريبه، وتمرينه على الحركات الجسدية التي تمنحه القوة والرشاقة والخفة وسرعة الحركة، ليتمكّن من تحمّل المتاعب والمشاق، ويستطيع مقاومة الأمراض وعوامل الضعف، ويقدر على إنجازات أكبر، فيؤدّي عطاءً أوفر في الحياة.

والرياضة تربّي الشعور بالقوة وبالفتوة والبأس، وتنمّي عند الانسان روح الصبر والشجاعة والثقة بالنفس.

والاسلام يؤمن بالقوة والفتوة والنشاط، ويحارب الميوعة والتحلّل والكسل والترهّل والخمول، فقد جاء في الحديث الشريف:
(إياك والكسل والضجر فإنّك إنْ كسلتَ لم تعمل، وإن ضجرت لم تعط الحقَّ)(3).

(تجنّبوا المُنى فإنّها تُذهب بهجة ما خوّلتم، وتستصغرون بها مواهب الله تعالى عندكم، وتعقبكم الحسرات فيما وهَّمتم به أنفسكم)(4).

(إنّ الاشياء لما ازدوجت، ازدوج الكسل والعجز فنتجا بينها الفقر)(5

فإلى تلك الاهداف والروح دعا القرآن أُمّته، وحثّها أن تربّي أجيالها، وتزرع فيهم روح القوة، فقال تعالى:

(وَأَعدّوا لَهُمْ ما اسْتَطعْتُمْ مِنْ قُوَّة).(الانفال/60)

وللغاية نفسها جاءت دعوة الرسول (صلى الله عليه وآله) للمسلمين لتربية أبنائهم تربية بدنية نشطة، فقال:
(علِّموا أولادكم السِّباحة والرِّماية)(1).

فبهذه الدعوة إلى الفتوة والرياضة فتح الرسول (صلى الله عليه وآله) الباب على مصراعيه لكل ألوان الاعداد البدني، والتربية الرياضية التي تساهم في بناء الجسم، والحفاظ على قدراته الجسدية.

وقد جاءت الأحاديث والروايات وكلّها تؤكّد ذلك وتحثّ عليه، بل وتتحدّث عن مشاركة رسول الله (صلى الله عليه وآله) في السباق، ومشاهدته وتشجيعه له.

فقد روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنّه فسّر قول الله عزّ وجلّ:
(وأعدّوا لَهُم ما استطعتُمْ من قُوة وَمِنْ رِباطِ الخَيْلِ). قال: الرّمي(2).

وعن الامام علي بن الحسين (عليه السلام)، قال:
(إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) أجرى الخيل وجعل سبقها أواقي من فضّة)(3).

وروى الامام الصادق (عليه السلام):
(إنّ رسول الله أجرى الخيل التي أضمرت من الحفياء إلى مسجد بني زريق، وسبقها من ثلاث نخلات، فأعطى السابق عذقاً، وأعطى المصلي ـ أي الفائز الثاني ـ عذقاً وأعطى الثالث عذقاً)(4).

وروى الامام الصادق عن آبائه أهل البيت (عليهم السلام) :
(الرّمي سهم من سهام الاسلام)(5).

وروى الإمام الصادق (عليه السلام) فقال:
(أغار المشركون على سرح المدينة، فنادى فيها منادٍ: يا سوء صباحاه، فسمعها رسول الله (صلى الله عليه وآله) في الخيل، فركب فرسه في طلب العدو، وكان أوّل أصحابه لحقه أبو قتادة على فرس له، وكان تحت رسول الله (صلى الله عليه وآله) سرج دفّتاه ليف، ليس فيه أشر
ــــــــــــــــــــــ
ـ الكليني / الكافي / ج6 / ص47.
2 ـ الكليني / الكافي / ج5 / ص49.
3 ـ المصدر السابق / ج5 / ص49.
4 ـ المصدر السابق / ص48.
5 ـ المصدر السابق / ص49.

ولا بطر، فطلب العدو فلم يلقوا أحداً. وتتابعت الخيل، فقال أبو قتادة: يا رسول الله، إنّ العدو قد انصرف، فإن رأيت أن نستبق؟ فقال (صلى الله عليه وآله): نعم، فاستبقوا، فخرج رسول الله (صلى الله عليه وآله) سابقاً عليهم، ثمّ أقبل عليهم فقال:

أنا ابن العواتك(1) من قريش، إنّه لهو الجواد البحر ـ يعني فرسه ـ)(2).



ابوصبرى
عضو فعال
عضو فعال

المساهمات : 199
تاريخ التسجيل : 26/04/2011

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الاسلام والرعاية البدنية  Empty رد: الاسلام والرعاية البدنية

مُساهمة  ابوصبرى السبت أبريل 30, 2011 6:07 pm

ثانياً: حماية الجسم والحفاظ عليه:

وكما اهتمّ الاسلام ببناء الجسم ومدّه بحاجاته المادية الضرورية لبقائه، واستمرار وجوده، والتزام ذلك بالنسبة للانسان عن طريق تبنّي هذه الحاجات، واستيعابها استيعاباً تنظيميّاً بواسطة قوانينه وتشريعاته وقيمه الأخلاقية الواسعة، اهتمّ كذلك بالحفاظ على الجسم، وحمايته من كل ما يؤدّي به إلى الضعف والانحطاط وتبديد طاقته، فعمل على حمايته من الأمراض والنجاسات والأوساخ وحثّ على الوقاية والعلاج، وسعى لابعاده عن الارهاق والتعب والاسراف في استعمال المباحات، أو الاغراق في الشهوات التي تمتصّ كل طاقاته وقواه البدنية، وتعرّضه للاعياء والمرض، وأكّد على منعه من استعمال كل ما يجلب له الضرر، والفتك بقواه وطاقاته، كالخمر والزنا وأكل الاطعمة الضارة…إلخ، ليحفظ للانسان قدراته وقواه عن طريق تنظيم حياته المادية، من مأكل ومشرب وممارسة غريزية...إلخ، وبهذا المنهاج التشريعي جنّب الاسلام الجسم الانساني مخاطر التمزّق والانهيار الصحّي، واتخذ لتنفيذ هذا المنهاج عدّة تشريعات وأحكام منها:

1 ـ الدعوة إلى الاعتدال:

دعا الاسلام إلى الاعتدال، ومنع الانسان من الاسراف والشراهة في كل شيء، في تناول الطعام والشراب، وفي ممارسة الجنس والشهوات، وفي استعمال المحلّلات، لأنّ إباحة الاسلام للطعام والشراب وسائر اللذائذ والمتع ما كانت إلاّ لحفظ صحّة الجسم، وحماية النوع الانساني وتوفير المتعة والسعادة له.

وينطلق الاسلام من دعوته إلى الاعتدال هذه من مبادئ أساسية في الحياة، وهي إنّ الانسان لا يحتاج إلاّ إلى ما يكفيه ويقوّم حياته ويحفظها، فللجسد حاجة طبيعية محدّدة من الطعام والشراب والجنس والشهوة، وقدّم للانسان تفسيراً واقعياً لفلسفته الاخلاقية في تقويم اللّذة الحسّية، وأكدّ على أنها ليست غاية في الحياة، إنما هي وسيلة لدفع الانسان إلى السعي المشروع نحو هذه الحاجات. وبهذا التفسير حال دون تحوّل الانسان إلى بهيمة هدفها الطعام والشراب والجنس والاستغراق في الشهوات والملذّات.

ولكي يضمن الاسلام تنفيذ مبادئه السلوكية هذه، أقام نظم الحياة، وعلاقة الانسان بحاجاته الطبيعية، وحظّه منها على أُسس معادلات وموازنات دقيقة، لا اختلال فيها ولا تفريط، فجعل لكلّ شيء حسابه
ــــــــــــــــــــــ
ـ العواتك: جمع (عاتكة) وهو اسم لثلاث جدّات للنبي(ص).
2 ـ الكليني / الكافي / ج5 / ص51.

[ 16 ]

وموضعه وحقّه، ودعا إلى الاعتدال في كل شيء، حتّى صحّ أنْ نقول: إنّ منهج الاسلام في الحياة هو: «منهج الاعتدال والاستقامة».

وقد تواردت الآيات والأحاديث الكثيرة لاقرار هذا المبدأ الحياتي الخطير، مبدأ الاعتدال لحماية الانسان من الاسراف والشراهة، الاسراف الذي ينسحب أثره على كل السلوك الانساني، المادي والمعنوي، ينسحب على الاخلاق، فيؤدي إلى تدهور سلوك الامم، وعلى الاقتصاد، فيجرّ إلى اختلال معادلة التوازن المعيشية في المجتمع، وعلى الصحة، فيؤدّي إلى إنهاك الامة وانهيار قواها البدنية، فمن أجل حماية المجتمع من هذا الوباء النفسي الخطير، وضع الاسلام قاعدته العريضة لاقرار القانون الاخلاقي المتّزن ـ قانون الاعتدال وتحاشي الشراهة والاسراف ـ ؛ لذلك كانت مكافحة الاسلام للاسراف مكافحة نفسية وأخلاقية في بداية منطلقها، لتظهر فيما بعد آثارها في السلوك الانساني.

فالاسلام يريد أنْ يربّي في الانسان المسلم ملكة الاعتدال النفسي، والاستقامة الاخلاقية، ويوفّر له هذه الملكة الذاتية التي يتعامل بواسطتها فيما بعد مع الموضوعات الحياتية المختلفة.

لذلك جاء في الحديث الشريف المروي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): إنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) رأى جابر بن عبد الله الانصاري يتوضّأ ويسرف في استعمال الماء، فقال له:
(يا جابر لا تُسرف في الماء، فقال جابر: أوَفي الماء إسراف يا رسول الله؟ فقال: نعم وإن كنت على شاطئ نهر).

والمتأمّل في هذا الحديث النبوي الشريف يدرك أنّ هدف الرسول الأول في هذا النهي هو التربية النفسية والأخلاقية على الاعتدال في الصرف والانفاق، إذ ليس هدف الاسلام هـو حماية الاشياء من الضيـاع والعبث فقط.

لذلك جاء قول الرسول (صلى الله عليه وآله):

(نعم، وإنْ كنت على شاطئ نهر). فالاسراف في الماء على شاطئ النهر لا يؤدّي إلى الضرر المادي لكثرته ولعودته ثانية إلى النهر، وإنّما يربّي في الانسان المسرف روح الاسراف والعبث.
وقد صاغت الآية الكريمة هذا المبدأ ـ مبدأ مكافحة الاسراف ـ في نصّها الحكيم:

(يا بَني آدَمَ خُذُوا زينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا واشْرَبُوا وَلا تُسْرفُوا إنَّهُ لا يُحِبُّ المُسْرِفين).(الأعراف/31)

وعلى هذا الخط سارت الأحاديث النبوية، وجاءت مؤكّدة فيما ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قوله:

[ 17 ]
(كُلُوا في بعضِ بطونِكُمْ تصحّوا)(1).

(ولا تُميتوا القلوب بكثرة الطعام والشراب، فإنّ القلب كالزرع يموت إذا كثر عليه الماء)(2).

(ثلاث أخافهنَّ على اُمّتي من بعدي: الضلالة بعد المعرفة، ومضلاّت الفتن، وشهوة البطن والفرج)(3).

(ليس لابن آدم بُدٌّ من أكلة يقيم بها صلبه، فإذا أكل أحدكم طعاماً فليجعل ثلث بطنه للطعام، وثلث بطنه للشراب، وثلثه للنفس، ولا تسمّنوا تسمن الخنازير للذّبح)(4).


2 ـ تحريم المفاسد الضارّة:

والخطوة الثانية التي خطاها الاسلام لحفظ الصحة، هي تحريم كل ما هو ضار للبدن، وقابل لجلب الامراض والاضرار به، كالخمر وأكل الميتة ولحم الخنزير ولحم الكلب والجرذ ولحوم الحيوانات المفترسة وممارسة الزنا واللواط والعادة السرية والمساحقة...إلخ.

ولا يجهل أحد ـ بعد تقدّم علوم الطب والصحة ـ خطر هذه الاطعمة والاشربة والممارسات الشاذة على صحة الانسان وقواه البدنية.


3 ـ الطّهارة والنّظافة:
والخطوة الثالثة في منهج الاسلام الصحي هي النظافة، لأنّ الاوساخ والقاذورات هي مكمن الجراثيم والميكروبات، ومصدر لكثير من الامراض والعلل الجسدية، لذا شرّع الاسلام الطهارة والنظافة، وأوجب على الانسان الابتعاد عن النجاسات التي تعتبر مصدر خطر على الصحة، كالبول والغائط والدم والمني وميتة الانسان والحيوان...إلخ.

فشرّع الاسلام التطهير بالماء من آثار النجاسات، والوقاية من أضرارها، كما شرّع الوضوء والاغسال الواجبة، كغسل الحائض والنفساء والجنب وتغسيل الميّت، وأغسالاً مستحبّة كغسل الجمعة وغيره من الاغسال الواردة في السنة المطهّرة، كما دعا الاسلام المسلمين إلى النظافة والطهارة في البيت والشارع والملبس والمأكل وفي كل موضع من مواضع حياتهم، حتّى سمى بعض الباحثين والمستشرقين الحضارة الاسلامية بأنّها «حضارة الطهارة والنظافة».

وقد شرّع القرآن الكريم القاعدة الاساسية في قانون الطهارة بقوله:
ــــــــــــــــــــــ
ـ النراقي / جامع السعادات / ج2 / ط 1383هـ/ ص8.
2 ـ المصدر السابق / ص4.
3 ـ المصدر السابق / ص4.
4 ـ المصدر السابق / ص5.

[ 18 ]
(يا أَيّها الَّذينَ آمَنُوا إذا قُمْتُمْ إلى الصَّلاةِ فاغْسلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إلى المرافقِ وَامْسَحُوا برؤوسِكُمْ وَأرْجُلَكُمْ إلى الكَعْبينِ وَإنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّروا وإنْ كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحدٌ منكم ، منَ الغائط أو لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّموا صَعيداً طَيِّباً، فَامْسَحُوا بوجُوهِكُمْ وَأَيْديكُمْ مِنْهُ، ما يُريدُ الله لِيجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجً وَلكِنْ يُريدُ ليُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرون). (المائدة/6)

(إنّ الله يُحِبُّ التوّابِينَ ويُحبُّ المُتَطَهِّرينَ).

وعلى هذا الاساس بنى الرسول (صلى الله عليه وآله) منهاج الطهارة، واهتمّ بتربية الفرد والمجتمع المسلم.

فسنَّ المضمضة والاستنشاق وتنظيف الاسنان بالسواك، وغسل الشعر، وتنظيف الملابس، وتقليم الاظافر، والعناية بنظافة الطعام والشراب...إلخ.

فقد روى الامام الصادق (عليه السلام) أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) أبصر رجلاً شعثاً شعر رأسه، وسخة ثيابه، سيّئة حاله فقال:

(من الدّين المتعةُ وإظهار النعمة)(1).

وروي عنه (صلى الله عليه وآله) أنّه قال:
(بئس العبدُ القاذورة)(2).

كما روي عنه كذلك:
(الطهور نصف الاِيمان)(3).

(وتنظّفوا فإنّ الاسلام نظيف).

(النظافة من الايمان)(4).

وفي القرآن الكريم آيات كثيرة، وفي كتب الحديث روايات عديدة، مبوّبة على عدّة أبواب: النظافة، والعناية الصحيّة، لا يتّسع مثل هذا البحث لايرادها، وكلّها تستهدف إشاعة الطهارة، والنظافة، وإشعار الانسان بالخلو من الدنس والقذارات البدنية والروحية، حفاظاً على نقاء الفطرة البشرية، وحمايةً للجسم ممّا قد يطرأ عليه من أسباب القذارة والنجاسة، لحماية الصحة البدنية، وتربية الاحساس بالطهارة الروحية، والسعي نحوها، لأنّ الانسان يتعوّد بالطهارة المادية على التخلّص من كل غريب ضار بنظام الحياة، سواء في مجال الجسد أو السلوك والمعتقد.ــــــــــــــــــــــ
ـ الكليني / الكافي / ج6 / ص439.
2 ـ المصدر السابق / ص439.
3 ـ عبد الله شبر / الاخلاق / ص22.
4 ـ عفيف طبارة / روح الدين الاسلامي / ص 431.



ابوصبرى
عضو فعال
عضو فعال

المساهمات : 199
تاريخ التسجيل : 26/04/2011

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الاسلام والرعاية البدنية  Empty رد: الاسلام والرعاية البدنية

مُساهمة  ابوصبرى السبت أبريل 30, 2011 6:08 pm

4 ـ الوقاية والعلاج من الامراض:

وتشكّل الوقاية والعلاج من الامراض الخطوة الاخيرة في منهاج الصحة والتربية البدنية في الاسلام.

فقد جعل الاسلام الوقاية من الامراض مبدأً أساسياً لحفظ الصحة البشرية، لذلك ثبّت التشريع الاسلامي كل المبادئ الضرورية، كالنظافة، والاعتدال في تناول الاطعمة والاشربة، وعدم الاسراف فيها. وجعل التكاليف والواجبات الانسانية كلّها منسقة مع قدرة الانسان وطاقته، بحيث ينسحب هذا المبدأ على كل شيء، حتّى على العبادات والفرائض، كالصوم والحج والصلاة والجهاد...إلخ.

وانطلاقاً من هذا المبدأ أعفى الاسلام العاجز، ومن يحتمل الضرر؛ من الصوم، والحج، والجهاد، وسائر التكاليف الشاقة عليهم، وقايةً لهم من الامراض، ودفعاً للضرر المتوقّع حدوثه تمشياً مع قواعد العدل والحكمة التي رسمت حدودها الآية الكريمة:

(لا يُكَلِّفُ الله نَفْساً إلاّ وُسْعَها).(البقرة/286)

وثمة خطوة أُخرى خطاها الاسلام في مجال الوقاية من الامراض، وهي خطوة تشريعية للعزل والحجر، والابتعاد عن موطن المرض، فقد ورد في الحديث الشريف:

(فرّ من المجذوم فرارك من الاسد)(1).

(إذا سمعتم بالطاعون بأرض فلا تدخلوها، وإذا نزل وأنتم بأرض فلا تخرجوا منها)(2).

وتقوم فلسفة الوقاية والعلاج الطبي في الاسلام على أساس التسليم بوجود علاقة طبيعية وسببية بين جميع الاشياء ذات الترابط التسلسلي. فلكلّ حدث في الوجود علاقة بجملة من الاسباب، وربّما بسلسلة من الاسباب الطبيعية، وأنّ هذه الاشياء ـ الاسباب والنتائج ـ الواقعة في سلسلة وجودية واحدة يؤثّر ويتأثّر بعضها ببعض، وتنطبق هذه المفاهيم الكلية العامة على الطبيعة الجسدية للانسان، وعلى علاقتها الخارجية بكثير من الاشياء؛ فسوء التغذية، والارهاق يسبّبان ضعف الجسم وهزاله.

والجراثيم والكحول تسبّب أمراضاً للجسم، وخللاً في سلامة نظامه. والادوية والعقاقير وبعض الاغذية تؤدّي إلى مساعدة الجسم على الحفاظ على نظامه الطبيعي، أو تؤدّي إلى مطاردة الجراثيم المرضية وقتلها... إلخ.

لذلك ورد في الحديث الشريف:
(لكلّ داء دواء، فإذا أصاب دواءٌ الداءَ، بَرئَ بإذن الله عزّ وجلّ)(3).
ــــــــــــــــــــــ
ـ و2 ـ المصدر السابق / ص443.
3 ـ المصدر السابق.

[ 20 ]
ووجود هذه العلاقة الطبيعية بين الاشياء هو من تمام حكمة الله سبحانه، ودقّة إبداعه وصنعه لهذا العالم الذي يسير وجوده على أنظمة مترابطة من القوانين.

ولولا وجود الدواء وإمكانية إصلاح الجسم بعد اختلال نظامه، لتعرّضت الحياة البشرية لاضطراب وانهيار سريع، ولكان ذلك خللاً في نظام الخلق والتكوين، وتنزّه الله عن ذلك، فهو الحكيم الخبير الذي أتقن كل شيء بحكمة وتقدير:

(وَتَرى الْجبَالَ تَحْسَبُها جامِدَةً وَهيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ صُنْعَ اللهِ الَّذي أَتْقَنَ كُلَّ شَيءٍ إنَّهُ خَبيرٌ بِما تَفْعَلُونَ).(النمل/88)

ابوصبرى
عضو فعال
عضو فعال

المساهمات : 199
تاريخ التسجيل : 26/04/2011

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الاسلام والرعاية البدنية  Empty رد: الاسلام والرعاية البدنية

مُساهمة  ابوصبرى السبت أبريل 30, 2011 6:08 pm

ثالثاً: توظيف قدرات الجسم في مجالها المناسب:

وهكذا يتّخذ المنهاج الاسلامي صيغة تكاملية منظّمة، تستوعب نظام الجسم وحاجاته المادية المختلفة، مبتدئاً بتوفير حاجات الجسم المادية والغريزية في المرحلة الاولى، ومخطّطاً لحمايته، والحفاظ عليه في المرحلة الثانية، لينتهي إلى أخطر مراحل التنظيم في المرحلة الثالثة، وهي مرحلة توظيف الطاقة البشرية، وبيان كيفية استعمالها واستثمارها.

فالطاقة الانسانية هي طاقة في هذا الوجود، وهي أرقى من أيّة قوة مخلوقة، بنوعها وقيمتها وطبيعتها، إذا ما استغلّت استغلالاً سليماً وفق منهج الله وحكمته.

ولكي تتوفّر للانسان المعرفة الاستعمالية الكاملة، ولكي يتمكّن الانسان من استثمار هذه الطاقة البشرية الضخمة وتوظيفها في مشاريع الخير والبناء والاعمار.

لكي يستطيع الانسان ذلك، حدّد الاسلام منهاج السلوك والحياة، لئلا ينحرف باستعمال هذه الطاقة البشرية، فيسلك بها مسار الشر والعدوان، ويستهلكها في ممارسة العبث والهدم والضياع بدلاً من استعمالها في مجالات الخير والصلاح والانماء.

ولكي يحقّق الاسلام ذلك، نبّه الانسان إلى قضية بالغة الخطورة والأهمية، وهي أنّ شعور الانسان المتزايد بالقوة وإحساسه بالتفوّق، وامتلاك القدرة، يجب أنْ لا يسوقه إلى الغرور والفوضى والفساد، فيقوده هذا الطيش والغرور لاستعمال طاقاته في مواضع التخريب والعدوان، واستهلاكها في مجالات العبث والانحراف، بل يجب عليه أن يوظّفها في عمليات تؤهّلها لاحتلال موقعها اللائق بها بين قواعد الوجود والحياة لتكون قوة خلاّقة، وحركة رائدة في مجال الخير والبناء.

فالاسلام يعتبر استعمال هذه القدرات الانسانية استعمالاً منحرفاً، عدواناً على نظام الوجود، وخروجاً على إرادة الحق والخير، وهدراً لقيمة الانسان وأهدافه النبيلة، وتضييعاً لها في هذه الحياة.

[ 21 ]
لذا تعالى صوت القرآن الكريم محذّراً من السقوط في هذه الهوّة السلوكية المدمّرة، فقال
تعالى:
(وَابْتغِ فيما آتاكَ اللهُ الدّارَ الآخرةَ، ولا تَنْسَ نصيبَكَ منَ الدُّنْيا، وأَحسِنْ كما أحسَنَ اللهُ إليكَ، وَلا تَبْغِ الفَسادَ في الارْضِ إنّ اللهَ لا يُحبُّ المُفْسِدينَ).(القصص/77)

وقال تعالى:
(كَلاّ إنَّ الانْسانَ لَيَطْغى* أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى).(العلق/6 ـ 7)

(وَلَوْ بَسَطَ اللهُ الرِّزْقَ لِعِبادِهِ لبغَوْا في الارْضِ).(الشورى/27)

(إنَّما السَّبيلُ على الَّذينَ يَظْلِمُونَ النّاسَ وَيَبْغُونَ في الارضِ بِغَيْرِ الحَقِّ).(الشورى/42)

(فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَلا يَغُرَّنّكُمْ بِاللهِ الْغَرورُ).(لقمان/33)

(فَأَمَّا عادٌ فاسْتَكْبَروا في الارضِ بِغَيْر الحَقّ، وَقالوا مَنْ أَشَدُّ مِنّا قُوّةً، أَوَ لَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ الَّذي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً، وَكانُوا بآياتِنا يَجْحدونَ).(فصّلت/15)

وبالنظرة المتأمّلة الفاحصة لهذه النصوص القرآنية الكريمة، نستطيع أنْ نستنتج أنّ:

البغي، الفساد، الكبرياء، الطغيان، الظلم، والغرور كلّها حالات نفسية شاذّة، وشعور إنساني منحرف، وتقويم سييّء لقدرة الانسان وطاقاته، دفعت بالانسان إلى استعمال طاقاته وقدراته الجسدية والعقلية والنفسية استعمالاً طائشاً وهدّاماً. لذا حذّر القرآن الانسان من هذا الشعور، والاستعمال الشاذ الذي قاد البشرية على مرّ عصور التاريخ إلى هاوية السقوط، وساقها إلى منحدر المآسي والآلام.

ولكي يعرف الانسان قيمته الحقيقية، ويضعها في موضعها اللائق بها، راح القرآن يلفت نظره إلى عظمة خالقه، وقدرة موجده، وتفاهة شأن الانسان بالنسبة للخالق العظيم، ويردّد على مسامعه:

(أَوَ لَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ الَّذي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوةً).(فصّلت/15)

ويأتي الحديث الشريف صياغةً ثانيةً لهذا المفهوم القرآني النبيل فيقول:
(... إذا دعتك القدرة إلى ظلم الناس فاذكر قدرة اللهِ عليك)(1).

كل ذلك ليستعمل الانسان قوّته وطاقته لصالح نفسه، ولخير البشرية جمعاء وفق منهج القرآن، وموازينه السلوكية الرائعة:

(وَأَحْسِنْ كَما أَحْسَنَ اللهُ إليْكَ وَلا تَبْغِ الفَسادَ في الارضِ إنَّ الله لاَ يُحبُّ المُفْسِدِينَ). (القصص/77)

هذا وقد عرض القرآن الكريم نموذجاً رائعاً لشخصية الانسان المؤمن الذي يُحسِنُ استعمال طاقته، ويعرف كيف يتصرّف بها فقال:
ــــــــــــــــــــــ
ـ المجلسي / بحار الانوار / ج13 / ص426 عن تنبيه الخواطر.

[ 22 ]
(الّذِينَ إنْ مَكَّنّاهُمْ في الأرضِ أَقامُوا الصّلاةَ وَآتَوا الزّكاةَ وَأَمَروا بالمعْروفِ ونَهَوْا عَنِ المُنْكرِ ولله عاقبَةُ الامُورِ).(الحج/41)


وهكذا أتقن الاسلام منهاجه لتنظيم حياة الانسان الجسدية والغريزية بشكل دقيق ومتوازن، ليكون الجسم في وضع طبيعي من حيث تزوّدهِ بحاجته، أو حمايته والحفاظ عليه، واستعماله وصرفه لطاقته.

جاء إعرابي إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال:
(مَنْ خير الناس يا رسول الله؟).

قال:
(خيرُ الناس مَنْ طال عُمُرُهُ وحسُنَ عملُهُ).

وهذه الحالة الطبيعية السليمة هي التي نسمّيها بالصحة، وهي التي جاء عنها في الحديث الشريف:
(نعمتان مجهولتان: الصحّة والامان).

فالصحّة نعمة، وهبة من الله سبحانه يجب الحفاظ عليها، والاستفادة منها، والتقرّب إلى اللهِ بها.

والحمد الله رب العالمين



ابوصبرى
عضو فعال
عضو فعال

المساهمات : 199
تاريخ التسجيل : 26/04/2011

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى